لكونه في مقام الهزل، خرج من عنوان الكذب لوجود القرينة كما هو ظاهر، فالأحوط
لو لم يكن أقوى وجوب الاجتناب عن الجميع، إلّا في موارد قيام القرينة ممّا لا
يسمّى كذبا.
المقام الرّابع: هل يجري حكم الكذب في الإنشاء؟
المعروف عدم جريان الصدق و الكذب في الإنشائيات، و لكن يحكى عن كاشف الغطاء
(رضوان اللّه عليه) جريان حكم الكذب في الإنشاء و انّ الكذب و إن كان من صفات
الخبر، إلّا أنّ حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه، كمدح المذموم و ذمّ الممدوح، و
تمنّي المكاره، و ترجّي غير المتوقّع و إيجاب غير الموجب. انتهى.
و ظاهر عبارة الشيخ الأعظم قدّس سرّه ميله إليه لعدم ردّه [1].
و لكن صرّح بعض المعاصرين ممّن تأخّر عنه نفي كون الإنشاء متّصفا بهما، بينما
يظهر من غيره أنّ الكذب على قسمين: حقيقي و ادّعائي حكمي، فكلّما كان له نوع كشف
عن الواقع و لو كان من قبيل الإنشائيات داخل في الكذب حكما، و محرّم إلّا ما
استثني.
أقول: الذي يستفاد من الإطلاقات العرفية إطلاق عنوان الكذب على الأخبار و
الإنشاء كليهما و ان كان المعروف المشهور في ألسن أهل العلم عدم اتّصاف الإنشاء
بهما، بل هو المأخوذ في تعريف الإنشاء و الإخبار.
فإذا قال القائل: فيا ليت الشباب يعود يوما ... مع انّا نعلم أنّه يكره عود
الشباب إليه قطعا، نقول أنّه يكذب في قوله هذا، أو قال: يا ليت زيدا حاضر هنا، مع
انّا نعلم شدّة عداوته له، أو قال: تعالى تغدّ معنا. و نحن نعلم أنّه لا يريده.
نقول أنّه كاذب في هذا القول.
فالظاهر دخول الصدق و الكذب في الإنشائيات غالبا، لا لأنّ مفاده الذي هو أمر
إيجادي قابل للاتّصاف بالصدق و الكذب، بل لما يلازمه من الإخبار، فان التمنّي
ملازم للإخبار بحبّ الشيء، كما أنّ الأمر بشيء ملازم لإرادته، و الاستفهام عن
شيء ملازم للجهل به، و جريان الصدق و الكذب بعنوان ملازمه.