و أمّا معجزة «اليد البيضاء» التي كانوا ينسبونها إلى السحر، فقد كانت أمرا
خارقا للعادة بأسباب خفيّة يتوهّمون أنّ فيها نوع خدعة و ان لم يكن فيه ضرر إلّا
بما يترتّب على تلك الخدعة المتوهّمة من
يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ... وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى و إلّا لم يكن نفس العمل ممّا فيه الضرر.
و من هنا يظهر الفرق بين السحر و المعجزات، فإنّ السحر فيه الخدعة، و المعجزة
عين الحقيقة، و يعرفان من آثارهما.
و الفرق بينهما يظهر من امور:
1- الساحر رجل خداع يعرف من سائر أعماله، و صاحب المعجزة لا ينفكّ عن الحقيقة،
يعرف ذلك من حسن أعماله.
2- السحر يكون من ناحية القوّة البشرية المحدودة، و لذا يكون سحر الساحر دائما
محدودا من حيث النوع و الكيفية و الكمية في سحره، و لكن المعجزات لا حدّ لها، بل
النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم قادر على أي شيء بقدرة اللّه تعالى و بإذنه.
3- المعجزات مقرونة بالتحدّي و دعوى النبوّة أو الإمامة، و سائر الخوارق
للعادات ليست كذلك، فإنّها لو ظهرت في صورة الحقّ و ادّعى صاحبها ذلك و تقوّل على
اللّه بعض الأقاويل أخذ اللّه منه باليمين و قطع منه الوتين كما يدلّ عليه حكم العقل.
إذا عرفت ذلك، و عرفت الاصول المعتبرة في معنى السحر، و الفرق بينه و بين
المعجزات، فلنعد إلى أقسام السحر:
المقام الثّالث: في أقسام السحر
إنّ أجمع كلام في ذلك ما أفاده العلّامة المجلسي قدّس سرّه- و إن كان محلا
للبحث من جهات تأتي- فقد ذكر أنّ السحر على أقسام:
الأوّل: سحر الكلدانيين الذين كانوا يزعمون أنّ الكواكب هي المدبّرة لهذا
العالم، و الساحر عندهم من يعرف القوى العالية و يعلم ما يليق في العالم السفلي، و
يعرف معدّاتها و موانعها، فيكون متمكّنا بها من استحداث بعض خوارق العادة.