فهذه الروايات و ان كانت غير نقيّة الإسناد غالبا، و لكن الإنصاف أنّها
متظافرة بعضها مع بعض، مروية في كتب الفريقين المعروفة بينهم، و دلالة أكثرها
قويّة.
هذا و ذكر في «مفتاح الكرامة» القولين من دون تسمية قائلهما: القول بحرمة أخذ
الهدايا، و جوازه، ثمّ فصّل بين ما له مظنّة لها بالحكومة فتحرم، لأنّها تعود إلى
الرشوة، و إن كان الغرض التودّد و التوصّل إلى حاجة اخرى فهي هديّة [1].
أقول الهديّة على أقسام:
1- منها ما يقصد به إبطال حقّ أو الوصول إلى مراده في الحكم أيّما كان، فهي
رشوة و إن سمّيت بعنوان الهدية.
2- ما يكون في مقابل عمل القاضي، فهي بحكم الاجرة، و سيأتي حكمه إن شاء اللّه.
3- ما يكون لجلب قلبه في الحاضر، أو الآتي، و بعبارة اخرى: يكون لمقام قضائه،
فلو لم يكن في هذا المقام لم يعطه.
4- ما يكون شكرا في مقابل عمله، و يكون بعد القضاء.
5- ما يكون لصلة بينه و بينه من دون أي ربط له بمقامه.
و الظاهر شمول الروايات للصور الثلاثة الاولى دون الأخيرتين، لا سيّما الأخيرة
منهما، و لا ينبغي تركه فيما قبله، فالحكم بالحرمة في الصورة الاولى و الثانية و
الثالثة قريب، و لو شكّ في ذلك كان الحكم البراءة، و إن كان الاحتياط لا ينبغي
تركه لما يظهر من الشارع المقدّس من بنائه على الاحتياط في هذا المقام كما لا يخفى
على من راجع الأدلّة.
اجور القضاة:
أمّا اجورهم فالمحكي عن المشهور المنع عن أخذ الحاكم الجعل من المتحاكمين
مطلقا، بل عن جامع المقاصد دعوى النصّ و الإجماع عليه.
و الظاهر أنّه لا فرق بين الجعل و الاجرة عرفا في المقام، و ان كان بينهما فرق
في مصطلحات الفقهاء.