قال في المنتهى
: « إذا تكثّرت النجاسة ، فإن كانت من نوع واحد فالأقرب سقوط التكرير في النزح ،
لأنّ الحكم معلّق على الاسم المتناول للقليل والكثير لغة ؛ أمّا إذا تغايرت
فالأشبه عندي التداخل.
لنا : أنّه
بفعل الأكثر يمتثل الأمرين فيحصل الإجزاء ، وقد بيّنّا أنّ النيّة غير معتبرة ،
فلا يقال : إنّه يجب عليه النزحان ، لكلّ نجاسة مقدار مغاير » [١] انتهى.
وتبعه في ذلك
شارح الدروس [٢] ، وعن المحقّق في المعتبر القول بعدم التداخل إذا كانت
الأجناس مختلفة كالطير والإنسان ، وإن تماثلت في المقدّر ، لأنّ الأصل في الأسباب
أن تعمل عملها ولا يتداخل مسبّباتها ، وتردّد إذا كانت متساوية ، لأنّ النجاسة من
الجنس الواحد لا تتزايد ، إذ النجاسة الكلبيّة موجودة في كلّ جزء ، فلا يتحقّق
زيادة توجب زيادة النزح ، وأنّ كثرة الواقع تؤثّر كثرة في مقدار النجاسة فتؤثّر
شياعا في الماء زائدا ، ولهذا اختلف النزح بتعاظم الواقع.
وربّما يحكى عن
ابن إدريس [٣] التصريح بالفرق من دون تردّد.
حجّة القول
الأوّل : ما تقدّم في أوّل شقّي المعتبر ، وقد يقرّر : بأنّ مقتضي دليل كلّ نوع
سببيّة وقوعه لاشتغال الذمّة بنزح المقدّر ، فتعدّد السبب يقضي بتعدّد الاشتغال ،
وهو يقضي بتعدّد الامتثال.
وهذا القول هو
الأقوى على ما قرّرناه في كتبنا الاصوليّة ، والحجّة المذكورة ممّا لا دافع لها ،
من غير فرق في ذلك بين القول بالتنجيس والقول بوجوب النزح تعبّدا ، وإن كان على
الثاني أظهر.
فإن
قلت : نمنع استفادة
السببيّة عن أدلّة أنواع النجاسة ، لجواز كونها معرّفات كما في سائر العلل
الشرعيّة للأحكام ، فلا مانع من تعدّدها على معلول واحد.
قلت
: مع أنّه لا
يجري على القول بالتنجيس ، لضرورة كون وقوع كلّ نوع سببا لنجاسة البئر ، إن اريد
به كونه مجرّد احتمال فهو ممّا لا يصغى إليه في إخراج الخطاب عن ظاهره ، ولا يقدح
في وجوب الأخذ بالظاهر ، حيث إنّ الاستدلال ليس بعقلي صرف.