ورابعها : أنّ النجاسة لا تثبت إلّا
بالعلم ، وأنّ الظنّ لا يكفي فيها ، ولا ريب أنّ لفظي « العلم » و « الظنّ » الواردين فيها ظاهران في
المتعارف من معنييهما ، فمن يكتفي فيها بالظنّ أو الأمارة الشرعيّة ـ عامّة أو
خاصّة ـ يطالب بدليل ذلك ، ليكون حاكما على روايات الباب ، بكشفه عن كون الحصر
المستفاد منها إضافيّا ، أو أنّ العلم واليقين المعلّق عليهما حكم النجاسة اريد
منهما ما يعمّ الظنّ وغيرها من الأمارات ، وأنّى له بإثبات ذلك.
نعم ، يمكن
استفادة كفاية إخبار ذي اليد واعتباره فيها من الأخبار المشتملة على السؤال عن
وجوب المسألة والسؤال ، فإنّ هذه الأسئلة قاضية بأنّ كون قول ذي اليد مجديا في
ثبوت النجاسة كان مفروغا عنه فيما بينهم ، وإنّما الشبهة كانت في وجوب تحصيله ،
وجواب المسئول بنفي وجوب المسألة أيضا ربّما يكون تقريرا لهم على معتقدهم.
إلّا أن يقال :
بأنّ نفي المسألة بنفسه ردع لهم ، لجواز ابتنائه على كون المراد بيان أنّ ما
يترتّب على المسألة من الإخبار بالمسئول عنه لا يجدي نفعا في ثبوت النجاسة حتّى
يكون المسألة واجبة ، ولكنّه خلاف ما يظهر من سياق الروايات ، ومن سياق أصل
القضيّة ، مع أنّ في بعضها ما يكون ظاهرا بنفسه في لزوم القبول على تقدير تحقّقه ،
كما في خبر إسماعيل بن عيسى المتضمّن لقوله عليهالسلام : « عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك
» [١] الخ إذ أقلّ مراتب معنى « عليكم » الرجحان المطلق ، وإلّا فهو ظاهر في الإيجاب
، فلو لا الإخبار بالمسئول عنه مجديا في لزوم القبول لما كان لرجحان السؤال عنه
وجه ، فضلا عن وجوبه.
وقد يقرّر ـ كما
في شرح الدروس ـ : « بأنّ ظاهره أنّ قول المشركين يقبل في أموالهم أنّها ذكيّة
وإلّا فلا فائدة للسؤال عنهم ، فإذا قبل قول المشركين فقبول قول المسلمين بطريق
أولى ، » [٢] ولا يخفى ضعفه ـ كما تنبّه عليه في الحدائق ـ إذ ليس
المراد بالسؤال المأمور به بقرينة السؤال هو السؤال عن المشرك ، بل المراد به
السؤال من
ـ والتراجيح دورة كاملة ، وهذه الموسوعة الاصوليّة القيّمة لم يطبع إلى الآن
، ولكن قامت أخيرا مؤسّسة النشر الإسلاميّة التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة
بطبعه ونشره وسيصدر منه جزءان ويتلوهما سائر الأجزاء إن شاء الله تعالى.